إن الأهمية التي اكتسبها التقييم في مختلف القطاعات بغاية مواكبة تنزيل الاستراتيجيات والإصلاحات تخص أيضا قطاع البحث العلمي. لقد أصبح التقييم أحد الرهانات الكبرى في تنمية البلدان وطريقها للوصول إلى مجتمع المعرفة.
في إطار انخراط الهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في تنزيل الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، من أجل إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي في المغرب تنظم الهيئة، يومي 6 و7 دجنبر 2017 ندوة دولية حول “تقييم البحث العلمي: الرهانات والمنهجيات والأدوات “.
إن الدول النامية مثل المغرب مدعوة إلى بلورة استراتيجيات من أجل الرفع من إنتاجية البحث العلمي ومردوديته، وتوجيهه نحو حاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورفع التحديات بغاية تقليص الهوة بين الانتاج العلمي الوطني الناشئ، والانتاج العلمي المتكاثر في البلدان النامية. في هذا السياق، يُساهم تقييم البحث العلمي بشكل لا يقبل الشك في الرفع من أدائه وقيمته من أجل إدماجه في دينامية تجديد المعارف من خلال البحث في مجالات العلوم الدقيقة والانسانية والاجتماعية.
يُظهر الاطلاع على التجارب الدولية أن بلدانا طورت آليات ومؤسسات لتقييم البحث، وبلورت أدوات كمية وكيفية لقياس وتقدير الانتاج العلمي والتقني. بل إن بعض البلدان أنشأت وكالات أو مجالس مستقلة، تكمن مهمتها الأساسية في تقييم البحث. ويعتبر كل من التقييم عبر النظراء (peer review)، أو التقييم الببليوميتري (bibliométrique)، (إما كل تقييم لوحده أو هما معا) أهم مقاربتين لتقييم البحث.
وفي أفق توطيد آليات وأدوات التقييم هذه بالاعتماد على التجارب والممارسات الدولية، تنظم الهيئة الوطنية للتقييم هذه الندوة، وتهدف من خلالها إلى إقامة حوار حول تحليل مقارن لرهانات تقييم البحث العلمي في البلدان النامية.
أما فيما يتعلق بالمواضيع التي ستتناولها هذه الندوة، فتم تحديدها في خمسة محاور:
المقارنة الدولية وقياس تقييم البحث العلمي
أصبحت أنظمة البحث العلمي أكثر فأكثر موضوع مقارنة دولية على مستويات نمط حكامتها وتمويلها وإنتاجيتها. فما هي الدروس التي يُمكن استخلاصها من المقارنة بين البلدان لتطوير أداء نظام البحث العلمي في البلدان الصاعدة على مستوى السياسة العمومية والحكامة، والتمويل، ودعم المجموعة العلمية، والمساهمة في المحيط السوسيو اقتصادي لهذا الإنتاج وتدويله.
والهدف أيضا من العروض في هذا المحور هو تحليل وجاهة مختلف تصنيفات الجامعات الدولية والوطنية في علاقتها بأهدافها ومناهجها. كما ستتم مساءلة كيفيات تملكها وتكييفها باعتبارها أداة للتقييم والمقارنة الدولية و كذا دلالتها في علاقتها بسياقات البلدان النامية.
طرق تقييم البحث العلمي في التجارب الوطنية والدولية
عرف المغرب عدة تجارب في مجال التقييم: تقييم البحث في العلوم والتقنيات سنة 2003؛ تقييم البحث في العلوم الانسانية والاجتماعية سنة 2009؛ تقييمات البرنامج الاستعجالي سنتي 2010 و2011؛ التقييمات الداخلية للجامعات؛ التقييمات الذاتية المُنتظمة لبنيات البحث؛ تقييم استراتيجية “المغرب ابتكار” Maroc innovation عام 2011؛ التقريران حول تشخيص وتحديد آفاق البحث العلمي لأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات (2009 و2012)، والتقييم من خلال مشروع توأمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي حول منظومات البحث العلمي سنة 2013؛ …إلخ.
تتحدد الأهداف الرئيسية لهذا المحور في (1) الاستفسار عن تجارب التقييم الوطنية عبر العالم، (2) الاستفادة التجارب الوطنية المذكورة سابقا، و (3) تبيُن الآليات والأدوات، على ضوء التجارب الدولية، لإنجاح التقييمات الوطنية وضمان انتظامها.
التعاون العلمي وتقييمه
ما هي مقاربات تقييم التعاون العلمي الذي يعد رافعة للإنتاج؟ وكيف يمكن تقدير تأثيرها على جودة الإنتاج العلمي؟ سيتم التركيز خصوصا على مقاربات تقييم التعاون العلمي بغرض تحديد محددات التعاون العلمي بين المؤسسات وبين الدول، بالإضافة إلى العوامل التي تشجع هذا التعاون والمعيقات التي تواجهه. وهي الفرصة لمساءلة طرق تقييم السياسات الوطنية لاستخلاص مدى دعم هاته الأخيرة للتعاون العلمي ولحركية الباحثين.
ماهي الرهانات في قياس الانتاج العلمي: تقييم التأثير الاجتماعي؟
يتعلق الأمر في هذا المحور بتحليل ومساءلة الآليات الدولية لتقييم الانتاج العلمي. عموما، يُعتبر التقييم المُنتظم البيبليومتري مرآة تعكس أداء البحث في بلد معين أو في مؤسسة معينة. إذ أصبح علم قياس العلوم، المقاربة المُندمجة لتقييم البحث العلمي وتحفيزه. فإلى أي حد يُعتبر قابلا للتطبيق على الانتاج العلمي في مجال العلوم الانسانية والاجتماعية؟ وإلى أي حد يؤثر الإنتاج العلمي على المجال الاجتماعي؟
آليات تقيم سلك الدكتوراه
تقوم المنظمات الدولية، مثل منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة والمفوضية الأوروبية، بتقييم سياسات دراسات سلك الدكتوراه نظرا لأهميتها في تجديد الرأسمال البشري بالنسبة لمجتمع المعرفة.
إذ تُمثل الدراسات في الدكتوراه منبتا لإنتاج الباحثين وللبحث العلمي ورافعة لهما. فبعد مرور 15 سنة تقريبا على إحداث سلك الدكتوراه في إطار الهندسة البيداغوجية الجامعية الجديدة بالمغرب (الإجازة/ الماستر/ الدكتوراه (LMD)، أنجزت الهيئة تقييما لهذا السلك، يتطرق إلى نجاعته وإلى أجهزة تسييره أي مراكز الدراسات في الدكتوراه، على ضوء مختلف النماذج التنظيمية والمقارنات الدولية. فالهدف من هذا المحور يكمن أساسا في نقاش نتائج هذا التقييم وكذا الأدوات والمناهج التي تناسب تقييم سلك الدكتوراه.